قصـر الملـك معـاوية في جنوب الجزيرة العربيه وكنوز اخرى

حنين الاشواق · 01-24-2010, 09:02 PM

مستعيداً تاريخ أكثر من خمسة آلاف سنة اتجهت جنوباً باتجاه الفاو والأخدود وابار حمى ومجاهل الربع الخالي واتجهت عميقاً باتجاه حضارة عاد وثمود.. والعابرين على طريق الحرير وعلى مدى 7 أيام من الركض المتواصل والترحال المستمر في بيئة تنتصر فيها ثقافة الصحراء على ما سواها.. وجدت نفسي أغوص تدريجياً في عالم لا نهائي من الحكايا.. والتواريخ.. والأطلال.. مدن سادت ثم بادت.. طرق كانت هي بوابة العبور نحو عالم آخر غدت بقايا أثر شبه مندثر.. ثقافات عريقة لم يتبق منها إلا كتابات منثورة على الجداريات والجبال. وفي محاولة لتجميع شتات صور الماضي.. انطلقنا صوب هذه العوالم وسجلنا حاضرها.. وفتشنا عن ماضيها.. وربطنا بين أمسها وما قبل أمسها مع هذا الحاضر الذي نعيشه وتعيشه الآن.. فكانت الحصيلة رحلة عميقة إلى ماضٍ أعمق.. وتغريبه في زمن الرمل.. والبخور.. والأساطير..

وكانت أيضا هذه الكتابة.
بالرغم من التاريخ العميق لقرية الفاو في تاريخ ما قبل الاسلام للجزيرة العربية وموقعها المؤثر في مسار رحلات التجارة وطرقها ما بين حضارتي الشرق والغرب.. ووادي الرافدين ووادي النيل الا ان هناك شحا كبيرا في ذكرها ويرصد ذلك الدكتور الانصاري في كتابه (قرية الفاو) بقوله (وقد كان اهتمام الجغرافيين المسلمين بـ(قرية) محدودا, اذ لم يشر اليها الا البكري في معجمه حيث يقول (قرية بفتح اوله واسكان ثانيه على لفظ الواحدة من القرى معرفة لاتدخلها الالف واللام موضع بين عفيف بني عقيل واليمن) كما اشار اليها الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب بقوله (.. ثم رجعت الى الطريق من المقترب تريد اليمن.. قعد نجران فشرب بحسي كباب الذي يقول فيه مروان بن ابي حفصة.والعيس قد علت الدبيل وخلفت بطن العقيق بنا وحسي كباب)
فان تيامنت شربت ماء عاديا يسمى (قرية) الى جنبه ابار عادية وكنيسة منحوتة في الصخر (وقرية هذه التي جاء ذكرها لدى الجغرافيين العرب هي على وجه التحديد ما يعرف الان بـ(قرية) الفاو لدى سكان وادي الدواسر ولعل قلة المعلومات عنها لديهم ترجع الى انتهاء دورها كمركز تجاري او مستقر حضاري منذ ظهور الاسلام اذ لم نجد ما يدل على سكن المسلمين لها ولذا لم تصبح ملفتة لنظر الكتاب المسلمين).

الفاو.. الآن

استعدت هذا كله دفعة واحدة وانا اخطو خطواتي الاولى بأثار الفاو وارى اطلال جدران البيوت.. واحواض تصريف المياه.. والمداخن التي اقيمت تحت بعض البيوت. كتابات منقوشة على الصخور.. واثار ابار الدليل عليها القنوات المائية الواضحة للعيان البيوت من الداخل تتكون من اكثر من غرفة.. الا ان قصر الملك معاوية بن ربيعة الذي دلني عليه العم ابو راشد والاستاذ زياد اليامي كان قصرا يليق بملك في ضخامته التي مازالت تميزه عن باقي البيوت..
صحراء الربع الخالي هي الجزء الجنوبي الشرقي من المملكة وهي منطقة صحراوية كبيرة تقدر مساحتها بـ 640,000 كيلومتر مربع تتكون من كثبان رملية وسبخات. اما السهل الساحلي الشرقي والذي يبلغ طوله حوالي 610 كيلومترات فهو يتألف من سبخات ملحية ومناطق رملية.
وتحاذي صحراء الربع الخالي منطقة وادي الدواسر واما من الشمال فتمتد سهول نجد الى منطقة حائل حتى تتصل بصحراء النفود الكبرى ثم بحدود العراق والاردن ويوجد بها بعض المرتفعات الجبلية مثل جبال طويق والعارض وأجا وسلمى. وقد اثبتت الدراسات ان الربع الخالي احتوى في القدم على بحيرات ومستنقعات مائية فيها اشجار وحيوانات برية عثر على ما يدلل عليها اثناء الكشوفات الأثرية كما عثر على ادوات حجرية شبيهة بتلك الادوات التي عثر عليها في قطر) واشار الى ان الجفاف الذي ضرب الربع الخالي تم في الألف الرابع والثالث قبل الميلاد وامتد الى شبه جزيرة قطر وشبه جزيرة عمان ايضا.

من هو عبدالله فلبي

هاري سانت جون فلبي (عبدالله فلبي) الذي يعد أول أوروبي يصل الى هذا المكان في عام 1932م. لقد دخل فلبي في منافسة شديدة مع مواطنه برتر ام توماس من اجل السبق في عبور الربع الخالي ولكنه خسر في نهاية الأمر, بسبب امضائه كثيرا من وقته في البحث عن مواقع الاثار القديمة في ارجاء الصحراء, فقد كان يحاول البحث عن مدينة (أوبار) التي يعتقد انها موطن قوم (عاد) المذكورين في القرآن الكريم, وأهلكهم الله بسبب تكذيبهم لرسله بريح صرصر عاتية.
لقد عرض مرافقو (فلبي) من افراد البادية عليه ان يردوه الى المكان الذي عاقب الله فيه قوم عاد في وسط الربع الخالي, وعندما وصلوا الى المكان لفتوا انتباهه الى قطع غريبة من الخبث الاسود, وزعموا له انها بقايا من حلى نساء المدينة المدمرة. ولكن فلبي فهم على الفور انه لم يكتشف بعد آثار مدينة (أوبار) المفقودة, بل ظن ان ذلك الخبث الاسود والحفر المنتشرة في ارجاء المكان هي بقايا بركان حدث في هذه المنطقة, وبعد ان قدم له مرافقوه من رجال البادية قطعة حديد كبيرة, تبين له انها ليست من كوكب الارض. المستشرق الانجليزي والبحاثة العالم سانت جون فلبي, كانت اولى زيارته للبلاد السعودية عام 1917 وألف كثيرا من الكتب المستمدة من تجاربه الخاصة ومن بينها قلب الجزيرة العربية وبنات سبأ: رحلا في جنوب الجزيرة العربية.

الفاو مرة اخرى

يمر الوقت ولكن الفاو تظل مكاناً يستحق التأمل .. والبحث والتنقيب خاصة ان الاكتشافات التي قام بها الدكتور الانصاري ورفاقه اثبتت ان (قرية) الفاو هي عاصمة مملكة كندة .. كندة التي افردت لها كتابات المؤرخين مساحة واسعة وتظل تترصد مسيرة صعودها وسقوطها من حضرموت حتى الحيرة .. ولكنها عجزت عن تحديد موقع عاصمتها .. ودلل على ذلك الدكتور الانصاري بقوله (ان الكتابات الجنوبية افادتنا كثيراً في التعرف على اسم عاصمة دولة كندة وان اسمها (قرية) ووصفتها بانها (ذات كهل) وعن طريقها تعرفنا ايضا لاول مرة في التاريخ العربي على عاصمة هذه الدولة التي لم تشر الكتب العربية اليها من قريب او بعيد, كما تشير الى معبودها الرسمي بشكل قاطع وقد حدد العلماء الذين درسوا هذه الكتابات بانها تعودالى ما بين القرنين الاول والخامس بعد الميلاد وفي الوقت نفسه لا يمكننا ان نغفل نقش الملك معاوية بن ربيعة ومقبرته, اذا ان نقش هذا الملك يمكن مقارنته بمضمون نقش النمارة, ولذا يمكننا ان نحدد تاريخه بحوالي القرن الثالث الميلادي والى جانب هذا كله فإنان يجب ان نأخذ في الاعتبار اسماء الاعلام التي ظهرت محزوزة على الفخار كاسم شمريهر عش ذلك الملك الحميري الذي يعود الى الفترة التاريخية .. نفسها ..

قصر الملك معاوية ومقبرته

تترسخ في كثير من الحضارات وبالذات الحضارات الشرقية اهمية المدافن باعتبارها موئلا للجسد في رحلته الاخيرة ولذلك اهتم كثيرا ببنائها واقامتها بالقرب من القصور والمعابد التي عاشوا بها اولئك الملوك الاوائل .. ولذلك عندما دلني الاستاذ زياد اليامي الى قصر الملك معاوية بن ربيعة الذي تم الكشف عنه في قرية الفاو لم اتفاجأ بوجود المقبرة الملكية بجواره .. وهذا ماتراه في اكثر بيوت قرية الفاو التي تم الكشف عنها .. وكانت ملامح البهاء والبذخ واضحة على اطلال المقبرة .. وللكشف عن ملامح هذه المقبرة والتنقيب عنها يرويها الدكتور الانصاري بقوله (لقد اكتشفنا مقبرة على الطرف الغربي للمدينة وكان حفرنا لها بطريق الصدفة, اذ لفتت نظرنا كتلة حجرية غير مهذبة وقمنا بقلبها واذ بنا نفاجأ بان الوجه الآخر عبارة عن نصف علوي بدون رأس لتمثال تذكرنا ملابسه وطريقة نحته بتماثيل البتراء وتدمر والحضر, قمنا بعد ذلك بحفر هذا التل ووجدنا اولاً غرفه مربعة الشكل جدرانها من الحجر الرملي المهذب بارتفاع 90سم, ولهذه الغرفة بوابة الى الشرق, ثم بدأنا في البحث عن المدخل مزيحين للرمال المتراكمة فوجدنا فتحة مربعة ثم بعد ان نزلنا الى عمق 50 سم وجدنا فتحة اخرى ولكنها اضيق من الاولى وهنا وجدنا نقشا كوفيا مبكراً عبارة عن اسم الشخص مما يدل على ان المقبرة كانت قد نبشت في العصر الاسلامي المبكر من قبل المارة وعلى عمق حوالي 80 سم وجدنا شاهد قبر مكتوب بالقلم المسند نصه.
قبر معاوية بن ربيعة من آل ..( القحطاني ملك قحطان ومذجح بني عليه .. عبده هفعم بن برات من آل الا) .. فعرفنا اننا نحفر مقبرة ملكية .. واستمر عملنا في نزح الرمال من مهبط المقبرة حتى وصلنا الى ارضيتها وهي على عمق, امتار وبعرض متر واحد, وطول 6 امتار من الشمال الى الجنوب وقد وجدنا على الجدارين الشرقي والغربي نقرا نقراً (مراقي) صغيرة تسمح بنزول الانسان الى المقبرة ويواجه الانسان عند نزوله أربعة أبواب في اتجاه الجهات الأصلية الأربع وتقود ثلاثة من هذه الابواب الي اقبية منحوتة في الارض بشكل شبه دائري اما الباب الغربي فانه يقود الى غرفة مبنية مملطة بالجبس الابيض نعتقد انها مدفن الملك وتقع هذه الغرفة تحت الغرفة المبنية فوق المقبرة وفي نهاية الغرفة السفلى وفي الطرف الشمالي الغربي منها نجد حفرة منخفضة ومجصصة يبدو انها مخصصة لوضع بعض الاشياء الثمنية مما يوضع عادة مع الموتى وكان عرض الغرفة الملكية حوالي 1,15م وطولها 3,5م وارتفاعها 180 سم, ومما يلاحظ ان المهبط جصص هو ايضا بالجص الابيض وكذلك الابوب كما غطي باقي المهبط بصفائح من الحجر مما يدل على ان المهبط بكامله كان مغطى بتلك الصفائح, الا ان الباحثين عن الكنوز كانوا قد سبقونا الى المقبرة فحرمونا مزيداً من المعرفة عن هذا الملك, ولولا عدم اهتمامهم بشاهد القبر لفقدنا كل شيء ..

الرحالة الاجانب ولصوص الكنوز

وقصة الباحثين عن الكنوز ولصوصها والرحالة الاجانب في سرقة اثارنا معروفة ولا تحتاج الى براهين والشاهد عليها ما تكتنزه المتاحف الاوروبية وصالات العرض الغربية وبيوت الاثرياء هناك من نفائس تراث حضاراتنا دون ان ننكر جهودهم في التعريف بهذه الحضارة وقد سجل الدكتور جواد علي ما حدث في هذه المنطقة بقوله (واما في اواسط جزيرة العرب وفي باطنها وفي الاماكن التي لم يكن يتصور العثور فيها على اثر حضارة فقد عثر فيها على كتابات بالقلم المسند, ولهذه الكتابات اهمية كبيرة, لانها اول وثيقة تاريخية لا يتطرق اليها الشك ترد الينا عن هذه المناطق التي لم يرد لها ذكر مفصل عند المؤرخين السابقين, ولانها اول دليل عملي يثبت انتشار هذا الخط (المسند) اواسط جزيرة العرب. عثر فلبي في هذه المناطق على فخار واثار ارسلها الى المتحف البريطاني ظهر انها تعود الى القرن الثاني قبل الميلاد ويظن من فحصها انها من اثار السبئيين, كما عثر على كتابات وصور, وبقايا مقابر وعظام. وقد صور فلبي بعض الكتابات وصور بعضا اخر من رجال شركة البترول العربية السعودية الذين وصلوا الى هذه المواضع للبحث عن البترول وقد وصلت تصاوير عدد منها الى العلماء فنشروا نصوصها وترجماتها مثل كتابات (القرية) او قرية الفاو. وقد وجد اسم الصنم مكتوبا بحروف كبيرة بين تلك الكتابات.
ووجد فلبي كهوفا ومقابر في مواضع اخرى من وادي الفاو وقد وجدت حيطان بعض الكهوف مكسوة بالكتابات والوسم والتصاوير المحفورة ويظهر ان ابنيه ضخمة كانت في هذه الاماكن.
وعثرت شركة ارامكو على رأس نحت من الحجرفي (القرية) كتب عليه بالمسند انه (ثار ونفسي علزن بن قلزن غلونين) اي (اثر وقبر علزان بن قلزان الفلوني) كما وجدت كتابات بهذا القلم (المسند) عند جبل عبيد وفي حصن ناطق وفي شمال موضع (خسم كمده وعلى مسافة مائة الكيلومتر من شمال قرية الفاو وفي وادي الدواسر)

من سرق تاريخنا?

كل هذه الاثار وسواها انتقل بلمح البصر الى اوروبا, ليتم حفظه ودراسته ولو اننا تنبهنا مبكراً لذلك لكان بامكانا حفظه هنا ودراسته وجمع شتاته بما تم الكشف عنها بجهود الاثاريين السعوديين: وكنا قد اكملنا خريطة تاريخ المنطقة الذي كتب عليها الضياع بسبب تشتت هذه المصادر (الاثار) في اكثر من موضع وصارت الجهود المبذولة جهوداً متناثرة لا تنتظم في سياق واحد ولهذا جاء الخلط في تاريخ المنطقة فيما بين المرحلتين السبئية ومرحلة دولة كندة .

كتابة المسند, او الخط المسند
هي كتابة استخدمتها الدول العربية الجنوبية المتحضرة القديمة, سبأ وقتبان ومعين وحضرموت واوسان. ثم شاركتها فيها بعض الامارات والجماعات الشمالية الغربية في شبه الجزيرة العربية وما يتصل بها من جنوب الشام, بعد ان حور كتبها في اشكال حروفها بما يتفق مع مدى اتقانهم لها وربما بما يناسب مخارج الفاظهم, تعديلات عفوية احياناً وتعديلات مقصودة احياناً اخرى. وهكذا خرجوا منها بخطوط اقليمية امتاز منها الخط اللحياني والخط الثمودي والخط الصفوي. ويرى بعض اللغويين ان هذه الخطوط الاقليمية يمكن التمييز فيها ايضا بين عدة خطوط فرعية محلية اختلفت فيما بينها باختلافات طفيفة. وقد تضمنت كتابة المسند تسعة وعشرين حرفاً جامداً لم تتأكد اسماؤها القديمة ولا ترتيبها القديم حتى الآن. ولم ينشر الخط المسند القديم في هذه المناطق العربية وحدها, وانما وجد سبيله كذلك الى منطقة اكسوم الحبشية حيث كتب به (الجغريون) -وهم الاحرار من ذوي الاصول العربية- وحوروا بعض الشيء في اشكال حروفه. وجمعت نصوصهم بين اللغة الافريقية المحلية وبين اللغة العربية الجنوبية, ويرى بعض اللغويين ان تسميات الحروف وترتيبها فيما احتفظت به الابجدية الحبشية قد تلقي ضوءا على تسميات وترتيب الحروف في الجنوب العربي نظرا للصلات المكانية والبشرية بين الجانبين.
الملك الضليل ملك كندة امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار بن معاوية بن الحارث بن يعرب بن ثور مرتع بن معاوية بن كندة, من ببني آكل المرار, اشتهر بلقب (امرؤ القيس) ومعناه: رجل الشدّة.
واختلف المؤرخون في اسمه, فقيل حندج - والحندج: الرملة الطيبة تنبت نباتاً حسناً - وقيل مليكة وقيل عدي. و كان ابوه ملك اسد وغطفان, وامه اخت المهلهل الشاعر, فلقنه المهلهل الشعر.وهو اشهر شعراء العرب على الاطلاق,يماني الاصل, مولده بنجد, او بمخلاف السكاسك باليمن في القرن الخامس الميلادي, وكان ذلك القرن حافلا بالتنافس بين الفرس والرومان. يستعين الاولون بالمناذرة, والآخرون بالغساسنة, وقامت مملكة كندة بنجد تزاحم المناذرة فتمكنت منهم حينا ثم انهار عرشها, والملك حجر والد امريء القيس: على بني اسد, كان يأخذ منهم شيئا معلوما فامتنعوا منه فسار اليهم فأسر منهم جماعة ثم انهم ثاروا عليه وقتلوه. ولما ولما بلغ امرأ القيس الخبر المفجع وكان في مجلس شراب ولهو قال كلمته المشهورة: (رحم الله ابي! ضيعني صغيراً وحمّلني دمه كبيراً, لاصحو اليوم ولا سكر غد! اليوم خمر وغداً امر! ثم أنشأ يقول:
خليليَّ ما في اليوم مصْحَى لشاربٍ***ولا في غدٍ إذْ كان ما كان مَشربُ
ثم آلى الا يأكل لحماً ولا يشرب خمراً حي يثأر لابيه.
وهب لاسترجاع الملك وراح يستحث القبائل للحرب وقصد (يوستنياس) ملك القسطيطينية لمساعدته فأخفق مسعاه. ولكن ما فاته بسيفه, لم يفته بقلمه فقد بنى بالشعر ملكا خالدا فإذا هو زعيم الشعر العربي من غير منازع وقد خضع لتأثيره كل ناظم شعر وسرت عاطفته الى كل قلب, وخفق خياله بكل جناح وتقول الروايات أن امرأ القيس تابع مسيره والمرض يفت جسمه فتاً الى ارض الروم الى مدينة تدعى انقرة, وقد ثقل عليه المرض فأقام بها الى ان مات وقبر هناك وكانت وفاته سنة 565م على ارجح الروايات, وذكر انه قال قبل موته:
ربْ خطبةٍ مسحنفرة ........ وطعنة مثعنجرة
وجفنة متحيرة ............ حلت بأرض انقرة
وقيل ايضاً: انه لما كان يحتضر, رأى قبر امرأة من ابناء الملوك ماتت هناك, ودفنت في سفح جبل يقال له: عسيب, فسأل عنها وأخبر بقصتها فقال:
اجْارتنا ان المزار قريب ........ واني مقيم ما اقام عسيب
اجارتنا انا غريبان ها هنا ......... وكل غريب للغريب تسيب
ويعرف امرؤ القيس بالملك الضليل;واشهر آثاره (المعلقة) وهي لامية من البحر الطويل.

ها نحن في الفاو أخيرا..
بعد 280 كيلومترا من السير وسط الصحراء.. وبعد 2000 عام من الاندثار ها نحن نقف.. انا وزملائي.. والمسؤولون عن الموقع الذين تحملوا مشقة المجيء من وادي الدواسر لتهيئة الاجواء لنا.. وحارس الفاو العم ابو راشد.
لم يستجب قفل باب المتحف الذي يحتضن حضارة الفاو لمحاولات العم ابو راشد حاولنا مرارا وتكرارا ولكن لافائدة.. تساءلت بحيرة لماذا? فرد عليّ منذ حوالي السنة لم يزر الموقع احد.صمت احدق في هذه الاثار التي حفظتها الطبيعة تحت ركام رمالها آلاف السنين ثم جئنا لنكشف الستر عنها.. ونعرف بها العالم.. ثم نتركها هكذا.. للريح والمطر.. وتحولات الطبيعة المدمرة.لم اطرح حيرتي على أحد لان لا أحد منهم يمتلك الاجابة.. أو اتخاذ القرار.صمت.. حتى نبهني الاستاذ زياد اليامي الى فتحة في السور المحيط بآثار الفاو يمكن الدخول من خلالها.اخذت كاميراتي وافلامي.. وناديت الزميل عبدالله لمرافقتي.. دخلنا الموقع.. فاحسست برهبة عظيمة.. تذكرت دفعة واحدة ماضي الايام البائدة تذكرت عادا وثمود.. وحضارات الصحراء التي ولدت وماتت قبل ان يجيء الاسلام.. تذكرت كل هذا.. وتخيلت كيف كانت القوافل تمر بهذه القرية.. باتجاه الشمال والخليج العربي.. عبر ثرى نجد.كان الزميل زياد اليامي أمين عام مجلس منطقة نجران.. محظوظا بمعرفة مواقع كثيرة في محيط آثار قرية الفاو لكثرة زياراته لها لمرافقته الوفود الاعلامية التي تجيء لاستكشاف المكان.. والاطلاع على ما تم التنقيب عنه.اما العم ابو راشد فهو بعد عشرة اكثر من 20 سنة لهذه الاثار اصبح يعرفها جيدا كما يعرف جدران بيته.هنا المذبح.. وهذه هي آثار معبدهم.. وذاك مخزن الحبوب.. الموجود في كل بيت تقريبا.. اما تلك فساحة القرية.. التي لايوجد بها سوى باب واحد.. لتسهيل أمر حمايتها.. وحفظ الأمن لها. الفاو.. كتاب مفتوح في صحراء مغلقة هذه هي الفاو..هذه اكتشافات جهد عشر سنوات بذل فيها الدكتور عبدالرحمن الطيب الانصاري جهدا خارقا مع رفاقه اعضاء وتلاميذ قسم الآثار والمتاحف بجامعة الرياض (الملك سعود حاليا).. والذين فتحوا مجالا جديدا في ثقافتنا المحلية لتبدأ بعد ذلك مسيرة التنقيب التي كانت ابرز نتائجها.. موقع الربذة.. وموقع ثاج.. وسواها ويصف الدكتور الانصاري بدايات وقصة هذا الاكتشاف بقوله (كانت جامعة الرياض (الملك سعود حاليا) رائدة في الكشف عن آثار المملكة اذ لم يسبق ان اجريت حفريات اثارية بأيد وطنية إلا عندما وجدت جامعة الرياض ان دورها في البحث العلمي ودعمه يحتم عليها ان تبحث عن الجذور, وجذور حضارتنا تمتد في اعماق التاريخ الاف السنين, ولاشك ان الجهود التي تضافرت بعد ذلك بين جامعتنا وبين ادارة الاثار والمتاحف بوزارة المعارف (التربية والتعليم) كشفت عن حضارة متنوعة الوجوه والاشكال عكست دور الجزيرة العربية كنقطة التقاء بين حضارات بلاد الصين والهند وفارس والعراق وبلاد الشام والبحر المتوسط ومصر والحبشة. ولذا كانت الجزيرة العربية منطقة جذب حضاري وتفاعل بشري تأخذ وتعطي وتؤثر وتتأثر نظرا لارتباطها بالحضارات المجاورة وهي حضارات قد تكون متقدمة في أكثر من مضمار ولكنها ترجع في جذورها الى الجذور التي انطلقت منها حضارة الجزيرة العربية نفسها).
ويضيف الدكتور الانصاري (ولا شك في ان الجزيرة العربية بما كشف عنه البحث الاثاري تضم بعضا من اقدم الحضارات الانسانية منذ عصور ما قبل التاريخ, كما نشأت بها حضارات لها اصالتها, بل وتضاهي في بعض نواحيها الحضارات القديمة المعروفة, وذلك لان موقعها الجغرافي جعل منها في عصور مختلفة منطلقا لطرق التجارة الى جانب كونها منطلقا لهجرات متتابعة الى وادي الرافدين وبلاد الشام ووادي النيل).

قصة اكتشاف الفاو

يعتبر الدكتور عبدالرحمن الطيب الانصاري مكتشف قرية الفاو.. وواضع أسس التنقيب الاثاري في المملكة مرجعا اساسيا في كل ما يخص قرية الفاو وتاريخها وهنا نستعيد بعضا من تاريخها نقلا عنه حين يقول (بدأ الاهتمام.. في المصادر الحديثة.. بـ(القرية.. كموقع اثاري باشارة بعض موظفي شركة ارامكو اليها منذ الاربعينات ثم قام عبدالله فلبي بزيارتها مع كل من العالم البلجيكي ج.ركمانز ومرافق لهما هوليبنز عام 1952م وكانت ثمرة رحلتهم الكتابة عنها ودراسة بعض نقوشها والاشارة الى مقابرها ورسم خارطة مبسطة لها, ثم قام العالم البلجيكي الاب البرت جام برحلة اليها (بمساعدة من ادارة الاثار والمتاحف) فقام بدراسة مجموعة من كتاباتها المنتشرة علي سفح جبل طويق المطل على قرية شرقا. ثم بدأ اهتمام جامعة الرياض (الملك سعود) ممثلة في جمعية التاريخ والاثار التي انشئت في قسم التاريخ عام 1967م برحلات متتابعة بدأت برحلة استطلاعية عام 1971م لعمل دراسة علمية للموقع وتحديد المنطقة الاثرية لـ(قرية) ثم بدأت اعمال التنقيب فيها عام 1972م لثلاثة مواسم وكانت مدة التنقيب تتراوح بين اسبوعين واربعة اسابيع ثم بعد انشاء قسم الاثار والمتاحف عام 1978م انتقل نشاط التنقيب اليه فكانت مدة التنقيب شهرين تقريبا لكل من المواسم الثلاثة الاخيرة وهي المواسم الرابع والخامس والسادس).

ولكي نقدم وصفا دقيقاً للقرية وتفاصيلها التي تم الكشف عنها بعد التنقيب الذي توقف منذ زمن بعيد وبالتحديد السوق والقصر الملكي والمنطقة السكنية نستعير هنا وصف الدكتور عبدالرحمن الطيب الانصاري الذي نشره في كتابه (قرية الفاو).. حيث يقول (السوق, ولقد بني السوق على مقربة من الحافة الغربية للوادي الذي يفصل بين جبل طويق وبين حدود المدينة شرقي المنطقة السكنية... ويحيط بالسوق سور مكون من ثلاثة اسوار متلاصقة, اوسطها من الحجر الجيري, اما الداخلي والخارجي فمن اللبن, وللسوق واحد ضيق في النصف الجنوبي من الضلع الغربي ويحيط بالسوق سبعة ابراج... واذا ما دخلنا الى السوق وجدنا ساحة يصطف على جانبها دكاكين من الناحيتين الشمالية والجنوبية ودكان واحد من الناحية الشرقية وآخر من الناحية الغربية وواجهات الدكاكين مبنية من الحجارة وابوابها واسعة تنتهي بعتبة علوية نصف دائرية.. وتفصل بين مجموعة واخرى من الدكاكين ممرات خلفية كما تؤدي الى مدخل يشتمل على فسحة بها درج يؤدي الى الادوار العليا التي لاحظنا انها استخدمت كمخازن ايضاً, اذ نجد كل غرفة مقسمة بحواجز مبنية تشكل مربعين او ثلاثة مربعات أو أربعة. كما يوجد بالسوق ثلاثة بيوت احدها في الركن الجنوبي الشرقي, واثنان في نهاية الضلع الشمالي في اتجاه الشرق, وللسوق سُلَّمان عامان يستعملهما اصحاب السوق احدهما يقع بين الدكان (شرق) والبيت الذي يقع في الضلع الشمالي الشرقي والآخر يقع بين الدكان الغربي والدكان الشمالي الغربي ويؤدي هذان السلمان الى سطح السوق..وعلى بعد 3 امتار من الدكان يوجد مجمع مائي ضخم وصلنا في حفره الى عمق 5 امتار ووجدنا على هذا العمق احواض ماء والواحاً صخرية لعلها كانت تغطيه وتلتصق بهذا المجمع المائي قناة بسعة 20 سم تقريبا وتمتد بمحاذاة الدكاكين الجنوبية في اتجاه باب السوق ويبدو انها كانت مغطاة, اذ تبدأ التغطية من بدء الدكان الغربي حتى الخارج وتمتلئ المخازن والغرف الخلفية بالكثير من الكتابات المحزوزة في التمليط كما وجدنا في الدكان الاخير في صف الدكاكين الجنوبية لوحات تحكي رحلة صيد لشخصية لعلها ملك, كما تكرر رمز (كهل) وكان سمك الجدران يتراوح بين 90سم و60سم. ويستطرد الدكتور الانصاري بعد ذلك في وصف السوق ومراحل بنائه وملامحه.. واهم الملاحظات على تركيب اجزائه خاصة انه ينتبه الى مدنية هذه القرية حيث انهم مبكراً اهتموا بالصرف الصحي وبناء المراحيض, ويصف ذلك بقوله (ويتكون السوق من طبقة اولى وثانية ثم السطح ويبدو ان السطح قد بنيت عليه غرف صغيرة على طرفه الخارجي بالقرب من السترة الخارجية ويبدو ان بعض الغرف الصغيرة كانت تستعمل كمراحيض وخاصة في الناحيتين الشرقية والجنوبية وذلك لكثرة ما وجدنا من كراسي المراحيض وفضلات الانسان بمحاذاة السور من الخارج.

الفاو.. وتلاقح الحضارات

هذا الابداع لانسان هذه الارض الذي كان يعيش في تواصل مع حضارات العالم شرقه وغربه ونقصد حضارات الصين والهند من جهة وحضارات فارس وارض الرافدين وبلاد الشام والبحر المتوسط.. ووادي النيل.. هذا النسيج من التلاقح الحضاري الذي يتبدى في كل شبر من تراب المدينة التي تحتل مكانة كبيرة في تاريخ الجزيرة العربية او كما يقول عن اكتشافاتها الدكتور جواد علي (والكتابات التي عثر عليها في (قرية الفاو) -ويقصد ماتم اكتشافه قبل اكتشافات الدكتور الانصاري ورفاقه- ذات اهمية كبيرة لانها اول كتابة باللهجات العربية الجنوبية عثر عليها في هذه المواضع, وتعود الى ما قبل الميلاد وعثر فيها على مقابر, وعلى ادوات وقطع فخارية ظهر من فحصها انها تعود الى القرن الثاني قبل الميلاد, ويرى من فحص هذه الآثار انها تعود الى السبئيين والظاهر ان هذا الموضع هو بقايا مدينة قديمة كانت تتحكم في الطريق التجارية التي تخترقها القوافل التي تقصد الخليج.. والعراق من اليمن عن طريق نجران.

اذن الدكتور جواد علي يرى قبل اكتشافات الدكتور الانصاري بعشر سنوات انها بقايا مدينة عربية مهمة تتحكم في تجارة طريق الحرير فماذا تراه يقول عنها لو عرف انها عاصمة مملكة كندة التي افرد لها هو وسواه الصفحات الكثار مساحة كبيرة.ان تاريخ هذه المنطقة ما زال مطمورا تحت التراب او موجودا في المتاحف الغربية ويجب علينا ان نعرف قصته كاملة وان تجمع هذا الشتات هنا

كاتب المقال \ الصحفي هاشم الجحدلى \ ذاكرة المكان,,من ينقذ كنوز نجران

شيماء وجيه · 01-03-2011, 01:04 AM

معلومات قيمه اشكرك عليها حنين

أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع أرسل هذا الموضوع إلى صديق
انواع عرض الموضوع
العرض العادي الانتقال إلى العرض المتطور الانتقال إلى العرض الشجري

المواضيع المتشابهه
الموضوع	كاتب الموضوع	المنتدى	مشاركات	آخر مشاركة
فضيحة كبرى يفجرها الساعدي على قناة الجزيرة أمس ....!!!	الرمال	منتدى الاخبار السياسية	2	07-25-2010 08:27 PM
الجزيرة والذكريات	أميرة القلوب	الشعر الفصيح	2	07-20-2010 03:02 PM
اهل مكة ادرى بشعابها	البحري	منتدى الاخبار السياسية	0	06-06-2010 09:40 PM
سيدتي حواء وكنوز المعرفة	بينجاوية	بيع وشراء الكماليات	1	02-24-2010 11:22 PM
انا لا ادري هل انت تدري؟	أميرة القلوب	المجلس العام	1	07-06-2009 01:14 PM

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)

قصـر الملـك معـاوية في جنوب الجزيرة العربيه وكنوز اخرى

منتدى الثقافة و التاريخ والحضارات

قصـر الملـك معـاوية في جنوب الجزيرة العربيه وكنوز اخرى

قصـر الملـك معـاوية في جنوب الجزيرة العربيه وكنوز اخرى